إن الله تعالى بعث نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.. لتبليغ الدين وإظهاره.. والحمد لله قد تمّ هذا الدين وكَمُل ولا يحتاج إلى زيادة.. بل من زاد فيه قد إبتدع بدعة مضلّة.. فمن تكلّم في الدين بلا دليل.. أو إنتقص الدين من أجل فهم عقيم.. نقول له: الحمد لله الدين كامل مكمّل.. {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}.
وجاء في السنة عندما إستهزأ الكتابي بالدين حينما قال لسلمان رضي الله عنه: أعلمكم رسولكم كلّ شيء؟ قال سلمان رضي الله عنه بعزة المسلم الثابت: نعم.. علّمنا كلّ شيء حتى الخِراءة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يرحل عن الدنيا حتى بلّغ ما أمره الله به.. ولا ينبغي لمن رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً أن يشكّ بكمال الدين وتمام الرسالة والتبليغ.
هذا النبي الكريم قدوة حسنة نتأسّى به في حياتنا وفي كلّ شيء.. من اتبّع السنة وتمسّك بها.. فيا فوزه وسعادته بذلك.. ومن ترك السنة وإبتعد عنها فيا لخسارته.. وكساد تجارته في الدنيا..
لقد ترك لنا النبي صلى الله عليه وسلم كتاب الله وسنته.. إن تمسكنا بهما لن نضلّ أبداً..
من إبتدع في الدين.. بماذا جاء؟! وماذا يفعل؟! هل يستدرك على الله سبحانه وتعالى؟! هل يعتقد نقص ما بلّغه النبي صلى الله عليه وسلم؟!
فالدين كامل لا نحتاج إلى زيادته أو نقصه.. {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصلِه جهنّم وساءت مصيراً}.
وقال عليه الصلاة والسلام: «وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة » .. فما جاءت هذه الفِرَق وهذه الجماعات والتفريق بين المؤمنين إلا بسبب البِدَع.. أما يعلمون أن الله تعالى يقول: {هو سمّاكم المسلمين}.. نعم.. مسلمين.. مستسلمين لله تعالى.. متبعين لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم.. وكفى بهذا فخراً..
وتأمّل أخي الحبيب ماذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في الفرق بين أهل السنة وأهل البدعة:
قال رحمه الله في الفتاوى: وأهل السنة والعلم والإيمان يُعرفون الحق، ويتبعون سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويرحمون الخَلْق، ويعدلون فيه، ويعذرون من إجتهد في معرفة الحق فعجز عن معرفته، وإنما يذمّون مَن ذمّه الله ورسوله، وهو المفرّط في طلب الحق لتركه الواجب والمتعدّي، المتبع لهواه بلا علم لفعله المحرّم، فيذمّون من ترك الواجب أو فعل المحرم ولا يعاقبونه إلا بعد إقامة الحجّة عليه.. إلخ.
هذه مقدّمة مختصرة.. وبإذن الله تعالى سأكتب في كلّ شهر نقاط سريعة عن أخطاء وبِدَع تحدث في هذا الشهر.. أكتبها في هذا الموقع المبارك.. كل شهر بشهره.. فأسأل الله تعالى الإعانة والتوفيق، فما من صواب فمن الله تعالى.. وما من خطأ فمن نفسي والشيطان..
عدد الأشهر عند الله تعالى اثنا عشر شهراً، قال الله تعالى: {إن عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم}.
وجاء في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الزمان قد إستدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات ذو القَعْدَة وذو الحِجَّة والمحرّم ورجب مُضَر الذي بين جمادى وشعبان».
ونبتدئ بالشهر الأول من السنة وهو: شهر الله المحرّم سمي بذلك: لتسميته بذلك في الحديث، وأن القتال فيه محرّم.
فضــله: إضافة الشهر إلى الله تعالى تدلّ على فضله، وعنايته البالغة بتعظيمه، قال الحسن البصري رحمه الله: إن الله عز وجل إفتتح السنة بشهر حرام، وختمها بشهر حرام، فليس في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم.. كما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم».
* من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الناس قولهم: محرم بدون الألف واللام، والصواب أن يقال معرّفاً بالألف واللام: المحرّم والعرب لم تذكر هذا الشهر إلاّ معرفاً، وبهذا وردت الأحاديث الشريفة وأشعار العرب، ولا يدخلان الألف واللام في شهر من الشهور إلا في المحرم.
أما ما أُحدِث فيه من البدع:
يقول الشيخ العلامة بكر بن أبو زيد عافاه الله وحفظه: لا يثبت في الشرع شيء من ذكر أو دعاء لأول العام وهو أول يوم أو ليلة شهر محرّم، وقد أحدث الناس فيه من الدعاء والذكر والذكريات وتبادل التهاني وصوم أول يوم من السنة وإحياء ليلة أول يوم من محرم بالصلاة والذكر والدعاء وصوم آخر يوم من السنة إلى غير ذلك مما لا دليل عليه.اهـ
1- إحداث عيد لدخول العام الهجري الجديد وإعتياد التهاني ببلوغه:
يقوم كثير من المسلمين في نهاية عام وبداية عام جديد بالإحتفال بميلاد عام هجري جديد، وهم بذلك نسوا شيئاً عظيماً، هل هذا مما أمر به الله تعالى أو أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هل هذا في كتاب أو سنة؟هل هذا فعل الصحابة؟
لا.. ليس من كتاب أو سنة أو غير ذلك.. بل من البدع التي يجب إنكارها.. بل فيه تشبه بالنصارى عندما يحتفلوا بعيد رأس السنة والعياذ بالله.. فشهر المحرم كغيره من الشهور التي تبدأ وتنتهي.
2- الإحتفال بمناسبة هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم:
من الناس لا يعرف الهجرة إلا في وقت معيّن، ولمدة أيام ثم تنتهي وتمرّ مرّ السحاب، ولا تترك أثراً في سلوكهم وحياتهم.. فذكرى الهجرة يجب أن تكون دائماً في حياة المسلم وفي خاطره لا في أيام محدودة معلومة، فتحديد أيام مخصوصة للاحتفال بمناسبة الهجرة النبوية أو لتدارسها لم يكن يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا القرون المفضّلة.
والمعلوم لدى أهل الحديث والسيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر من مكة إلى المدينة في أوائل شهر ربيع الأول من السنة الثالثة عشرة لبعثته صلى الله عليه وسلم حيث وصل إلى قباء إحدى ضواحي المدينة النبوية لاثنتي عشر ليلة خلت من ربيع الأول يوم الاثنين كما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية.
3- تخصيص صيام أوّل يوم من السنة بنية إفتتاح العام الجديد بالصيام، وكذا تخصيص صيام يوم عند نهاية العام بالصيام بنية توديع العام، إستدلالاً بحديث موضوع أن له كفّارة خمسين سنة.
4- إحياء أول ليلة من المحرم: يقول العلامة أبو شامة: ولم يأت شيء في أول ليلة المحرّم، وقد فتشت فيما نُقِل من الآثار صحيحاً وضعيفاً، وفي الأحاديث الموضوعة فلم أر أحداً ذكر فيها شيئاً، وإني لأتخوّف والعياذ بالله من مفترٍ يختلق فيها حديثا اهـ
5- عمرة أول السنة يفعلها بعض الناس في أول المحرم:
من فعل العمرة أول المحرم بلا سبب ولا يقصد أنها من أجل بداية العام، فلا شيء في ذلك.. المشكلة فيمن يسافر ويقصد بيت الله الحرام من أجل العمرة في أول يوم من شهر الله المحرّم.
6- إختراع دعاء خاص في أول يوم من السنة، يقال له دعاء أول السنة: فهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة الكرام ولا عن التابعين رضي الله عنهم.
عاشوراء: هو اليوم العاشر من شهر الله المحرّم عند الجماهير.. وهو مقتضى الإشتقاق والتسمية.
فضائله: هو يوم عظيم.. مخصوص من الشرع بنوع من أنواع الطاعات وهو الصيام، فهو يكفر السنة الماضية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله» فلا ينبغي ترك صيامه، ومن ترك صيامه فقد فرّط وترك ثواباً عظيماً.
وكان عليه الصلاة والسلام يتحرّى صيامه على سائر الأيام، قال ابن عباس رضي الله عنه: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم -يوم عاشوراء- وهذا الشهر يعني شهر رمضان.
ما أُحدِث في هذا اليوم:
يقول الشيخ العلامة بكر أبو زيد عافاه الله وحفظه: ومن بدع الذكر والدعاء فيه: إحياء ليلته بالذكر والتعبد وتخصيص دعاء له باسم -دعاء عاشوراء- وأن من قرأه لم يمت تلك السنة، وقراءة سورة فيها ذكر موسى عليه السلام في صلاة الصبح يوم عاشوراء وإجتماع ذلك اليوم للذكر والدعاء ونعي الحسين ذلك اليوم على المنابر وأن البخور يوم عاشوراء رقية لدفع الحسد والسحر والنكد.. وغير ذلك مما يأباه الله ورسوله والمؤمنون.. اهـ إلى غير ذلك.
فلا يشرع في هذا اليوم إلا الصيام فقط، أما ما أحدث من الأمور الأخرى فهي لا أصل لها أبداً، أو تعتمد على أحاديث واهية ضعيفة أو موضوع.
ـ إحداث صلاة يقال لها صلاة عاشوراء:
وهي صلاة بين الظهر والعصر، أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وآية الكرسي عشر مرات، و{قل هو الله أحد} عشر مرات، والمعوذتين خمس مرات، فإذا سلّم استغفر الله سبعين مرة، مستدلين بحديث موضوع.
يقول القشيري رحمه الله: الحديث موضوع رواته مجاهيل، لما ذكره الجلال السيوطي في اللآلئ المصنوعة، فلا تحلّ روايته فضلاً عن العمل به، وقد ذكرته في رساله بدع عاشوراء فراجعه إن شئت اهـ.
ـ من البدع في هذا اليوم/ المراشّة: في يوم عاشوراء يقوم النساء بالإجتماع في بيت من البيوت ثم يأتين بكمية كبيرة من الماء، ثم بعد ذلك تقوم كلّ امرأة برشّ الأخرى بالماء، ويعمّ ذلك كل الحاضرات مظهرات بذلك الفرح والسرور، ويصحب ذلك غناء وصراخ.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هذا عمل لا يجوز أصلاً، فضلاً عن كونه يكون كالشعار ليوم عاشوراء، فإن مثل هذا يوحي بأنّهنّ يتعبدن الله تبارك وتعالى بمثل هذا العمل الباطل.. ويوم عاشوراء يوم من أيام الله تبارك وتعالى ليس فيه شيء مشروع إلاّ شيء واحد وهو صيامه.. ومع هذا فقد أمر الله الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُصام يوم قبله أو يوم بعده مخالفة لليهود.
ـ من البدع في هذا اليوم/ بدعة الحزن والمآتِم:
وهذا ما يفعله أصحاب البدع والخرافات من أمر منكرة مستقبحة في الإحداد، كلبس السواد ورفع الرايات السود، وتسميتهم لها تحاريم لعزاء الحسين، خصوصاً في العاشر من الشهر المحرم الحرام كل عام، وما يتبع ذلك من النياحة وإقامة المآتم وإغلاق الأسواق وغيرها، وضرب الرؤوس والصدور واللطم، ويصيحون: يا حسين.. يا حسين.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس منّا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية».. وغيرها من النصوص التي تنصّ على براءة النبي صلى الله عليه وسلم ممن يلطم ويضرب وغير ذلك.
ـ من البدع أيضاً/ بدعة الفرح والسرور عند الخوارج:
فيجعلونه يوم عيد وإحتفال وسرور وفرح وزينة ومصافحة وصدقة وإغتسال وطيب وإكتحال وتوسيع على الأهل والعيال وغير ذلك من أعمال الأعياد.. فمن الخطأ بل من البدع إتخاذه عيداً، لما ورد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً، فقال صلى الله عليه وسلم: «فصوموه أنتم».
ـ من البدع/ تخصيص يوم عاشوراء بعيادة المرضى:
وهذا بدعة، فليس هناك ميزة لهذا اليوم لجعله خاصاً للمرضى، وما ورد في ذلك فهو حديث مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا ما جمعته عن بدع وأخطاء شهر محرّم، أسأل الله تعالى أن يوفق الجميع، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الكاتب: أحمد الفايدي.
المصدر: موقع ياله من دين.